فصل: تفسير الآية رقم (93):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (93):

{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)}
المتعمد في لغة العرب القاصد إلى الشيء، واختلف العلماء في صفة المتعمد في القتل، فقال عطاء وإبراهيم النخعي وغيرهما: هو من قتل بحديدة كالسيف أو الخنجر وسنان الرمح ونحو ذلك من المشحوذ المعد للقطع أو بما يعلم أن فيه الموت من ثقيل الحجارة ونحوه، وقالت فرقة: المتعمد كل من قتل بحديدة كان القتل أو بحجر أو بعصا أو بغير ذلك، وهذا قول الجمهور وهو الأصح، ورأى الشافعي وغيره أن القتل بغير الحديد المشحوذ هو شبه العمد، ورأوا فيه تغليظ الدية، ومالك رحمه الله لا يرى شبه العمد ولا يقول به في شيء، وإنما القتل عنده ما ذكره الله تعالى عمداً وخطأ لا غير، والقتل بالسم عنده عمد، وإن قال ما أردت إلا سكره، وقوله: {فجزاؤه جهنم} تقديره عند أهل السنة، فجزاؤه أن جازاه بذلك أي هو أهل ذلك ومستحقه لعظم ذنبه، ونص على هذا أبو مجلز وأبو صالح وغيرهما وهذا مبني على القول بالمشيئة في جميع العصاة قاتل وغيره، وذهبت المعتزلة إلى عموم هذه الآية، وأنها مخصصة بعمومها لقوله تعالى: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48، 116] وتوركوا في ذلك على ما روي عن زيد بن ثابت أنه قال: نزلت الشديدة بعد الهينة، يرد نزلت {ومن يقتل مؤمناً متعمداً} بعد {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48، 116] فهم يرون أن هذا الوعيد نافذ حتماً على كل قاتل يقتل مؤمناً، ويرونه عموماً ماضياً لوجهه، مخصصاً للعموم في قوله تعالى: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48، 116] كأنه قال: إلا من قتل عمداً.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وأهل الحق يقولون لهم: هذا العموم منكسر غير ماض لوجهه من جهتين، إحداهما ما أنتم معنا مجمعون عليه من الرجل الذي بشهد عليه أو يقرأ بالقتل عمداً ويأتي السلطان أو الأولياء فيقام عليه الحد ويقتل قوداً، فهذا غير متبع في الآخرة، والوعيد غير نافذ عليه إجماعاً متركباً. على الحديث الصحيح من طريق عبادة بن الصامت، أنه من عوقب في الدنيا فهو كفارة له، وهذا نقض للعموم، والجهة الأخرى أن لفظ هذه الآية ليس بلفظ عموم، بل لفظ مشترك يقع كثيراً للخصوص، كقوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44] وليس حكام المؤمنين إذا حكموا بغير الحق في أمر بكفرة بوجه، وكقول الشاعر [زهير بن أبي سلمى]: [الطويل]
وَمَنْ لا يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاَحِهِ ** يُهَدَّمْ وَمَنْ لا يَظْلِمِ النَّاسَ يُظْلَمِ

وهذا إنما معناه الخصوص، لأنه ليس كل من لا يظلم يظلم، فهذه جهة أخرى تدل على أن العموم غير مترتب، وما احتجوا به من قول زيد بن ثابت فليس كما ذكروه، وإنما أراد زيد أن هذه الآية نزلت بعد سورة الفرقان، ومراده باللينة قوله تعالى: {ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق} [الفرقان: 68]، وإن كان المهدوي قد حكى عنه أنه قال: أنزلت الآية {ومن يقتل مؤمناً متعمداً} بعد قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} [النساء: 48-116] بأربعة أشهر فإذا دخله التخصيص، فالوجه أن هذه الآية مخصوصة في الكافر يقتل المؤمن، أما على ما روي أنها نزلت في شأن مقيس بن حبابة، حين قتل أخاه هشام بن حبابة رجل من الأنصار، فأخذ له رسول الله صلى الله عليه وسلم الدية، ثم بعثه مع رجل من فهر بعد ذلك في أمر ما، فعدا عليه مقيس فقتله ورجع إلى مكة مرتداً، وجعل ينشد: [الطويل]
قَتَلْتُ بِهِ فِهْراً وَحَمَّلْتُ عَقْلَهُ ** سراةَ بني النَّجَّارِ أربابَ فَارِعِ

حَللْتُ بِهِ وِتْرِي وأدْرَكْتُ ثورتي ** وكنتُ إلى الأوثانِ أَوَّلَ راجِعِ

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أؤمنه في حل ولا في حرم» وأمر بقتله يوم فتح مكة، وهو متعلق بالكعبة، وأما أن يكون على ما حكي عن ابن عباس أنه قال: {متعمداً} معناه مستحلاً لقتله. فهذا يؤول أيضاً إلى الكفر، وفي المؤمن الذي قد سبق في علم الله أنه يعذبه بمعصيته على ما قدمنا من تأويل، فجزاؤه أ، جازاه، ويكون قوله: {خالداً} إذا كانت في المؤمن بمعنى باق مدة طويلة على نحو دعائهم للملوك بالتخليد ونحو ذلك، ويدل على هذا سقوط قوله أبداً فإن التأبيد لا يقترن بالخلود إلا في ذكر الكفار.
واختلف العلماء في قبول توبة القاتل، فجماعة على أن لا تقبل توبته، وروي ذلك عن ابن عباس وابن مسعود وابن عمر، وكان ابن عباس يقول: الشرك والقتل مبهمان، من مات عليهما خلد، وكان يقول: هذه الآية مدنية نسخت الآية التي في الفرقان، إذ الفرقان مكية والجمهور على قبول توبته، وروي عن بعض العلماء أنهم كانوا يقصدون الإغلاظ والتخويف أحياناً، فيطلقون: لا تقبل توبة القاتل، منهم ابن شهاب كان إذا سأله من يفهم منه أنه قد قتل قال له: توبتك مقبولة، وإذا سأله من لم يفعل، قال له: لا توبة للقاتل، ومنهم ابن عباس وقع عنه في تفسير عبد بن حميد أن رجلاً سأله أللقاتل توبة؟ فقال له: لا توبة للقاتل وجزاؤه جهنم، فلما مضى السائل قال له أصحابه: ما هكذا كنا نعرفك تقول إلا أن للقاتل التوبة، فقال لهم: إني رأيته مغضباً وأظنه يريد أن يقتل، فقاموا فطلبوه وسألوا عنه، فإذا هو كذلك. وذكر هبة الله في كتاب الناسخ والمنسوخ له: أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48- 116] وقال: هذا إجماع الناس إلا ابن عباس وابن عمر، فإنهما قالا: هي محكمة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفيما قاله هبة الله نظر، لأنه موضع عموم وتخصيص، لا موضع نسخ، وإنما ركب كلامه على اختلاف الناس في قبول توبة القاتل، والله أعلم.

.تفسير الآية رقم (94):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)}
تقول العرب: ضربت في الأرض إذا سرت لتجارة أو غزو أو غيره مقترنة ب في، وتقول: ضربت الأرض دون ففي إذا قصدت قضاء حاجة الإنسان، ومنه قول- النبي عليه السلام: «لا يخرج الرجلان يضربان الغائط يتحدثان كاشفين عن فرجيهما فإن الله يمقت على ذلك» وسبب هذه الآية: أن سرية من سرايا رسول الله لقيت رجلاً له جمل ومتيع، وقيل غنيمة، فسلم على القوم، وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فحمل عليه أحدهم فقتله، فشق ذلك على رسول الله ونزلت الآية فيه، واختلف المفسرون في تعيين القاتل والمقتول في هذه النازلة، فالذي عليه الأكثر- وهو في سيرة ابن إسحاق وفي مصنف أبي داود وغيرهما: أن القاتل محلم بن جثامة والمقتول عامر بن الأضبط، والحديث بكماله في المصنف لأبي دواد، وفي السير وفي الاستيعاب، وقالت فرقة: القاتل أسامة بن زيد، والمقتول مرداس بن نهيك الغطفاني، وقالت فرقة: القاتل أبو قتادة، وقالت فرقة: القاتل غالب الليثي، والمقتول مرداس، وقالت فرقة: القاتل هو أبو الدرداء، ولا خلاف أن الذي لفظته الأرض حين مات هو محلم بن جثامة.
وقرأ جمهور السبعة {فتبينوا} وقرأ حمزة والكسائي فتثتوا بالثاء مثلثة في الموضعين وفي الحجرات، وقال قوم: {تبينوا} أبلغ وأشد من {تثبتوا}، لأن المتثبت قد لا يتبين، وقال أبو عبيد: هما متقاربان.
قال القاضي أبو محمد: والصحيح ما قال أبو عبيد، لأن تبين الرجل لا يقتضي أن الشيء بان له، بل يقتضي محاولة اليقين، كما أن ثبت تقتضي محاولة اليقين، فهما سواء، وقرأ نافع وابن عامر وحمزة وابن كثير في بعض طرقه، {السَّلَم} بتشديد السين وفتحه وفتح اللام، ومعناه: الاستسلام أي ألقى بيده واستسلم لكم وأظهر دعوتكم، وقرأ بقية السبعة {السلام} يريد سلم ذلك المقتول على السرية، لأن سلامه بتحية الإسلام مؤذن بطاعته وانقياده، ويحتمل أن يراد به الانحياز والترك، قال الأخفش: يقال: فلان سلام إذا كان لا يخالط أحداً، وروي في بعض طرق عاصم {السِّلْم} بكسر السين وسكون اللام وهو الصحيح، والمعنى المراد بهذه الثلاثة يتقارب، وقرأ الجحدري {السَّلْم} بفتح السين وسكون اللام، والعرض: هو المتيع والجمل، أو الغنيمة التي كانت للرجل المقتول، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وأبو حمزة واليماني {لست مؤمَناً} بفتح الميم، أي لسنا نؤمنك في نفسك، وقوله تعالى: {فعند الله مغانم كثيرة} عدة بما يأتي به الله على وجهه ومن حله دون ارتكاب محظور أي فلا تتهافتوا.
واختلف المتأولون في قوله تعالى: {كذلك كنتم من قبل} فقال سعيد بن جبير: معناه كنتم مستخفين من قومكم بإسلامكم، خائفين منهم على أنفسكم، فمنّ الله عليكم بإعزاز دينكم، وإظهار شريعتكم، فهم الآن كذلك، كل واحد منهم خائف من قومه، متربص أن يصل إليكم فلم يصلح إذا وصل أن تقتلوه حتى تتبينوا أمره، وقال ابن زيد: كذلك كنتم كفرة فمنّ الله عليكم بأن أسلمتم، فلا تنكروا أن يكون هو كافراً ثم يسلم لحينه حين لقيكم، فيجب أن يتثبت في أمره، ويحتمل أن يكون المعنى إشارة بذلك إلى القتل قبل التثبت، أي على هذه الحال كنتم في جاهليتكم لا تتثبتون، حتى جاء الله بالإسلام ومنّ عليكم، ثم أكد تبارك وتعالى الوصية بالتبين، وأعلم أنه خبير بما يعمله العباد، وذلك منه خبر يتضمن تحذيراً منه تعالى، لأن المعنى {إن الله بما تعملون خبيراً}، فاحفظوا نفوسكم، وجنبوا الزلل الموبق بكم.

.تفسير الآيات (95- 96):

{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)}
في قوله: {لا يستوي} إبهام على السامع هو أبلغ من تحديد المنزلة التي بين المجاهد والقاعد، فالمتأمل يمشي مع فكرته ولا يزال يتخيل الدرجات بينهما، و{القاعدون} عبارة عن المتخلفين، إذ القعود هيئة من لا يتحرك إلى الأمر المقعود عنه في الإلب، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة، {غيرُ أولي الضرر} برفع الراء من غير، وقرأ الأعمش وأبو حيوة {غيرِ} بكسر الراء فمن رفع جعل غير صفة للقاعدين عند سيبويه، كما هي عنده صفة في قوله تعالى: {غير المغضوب} [الفاتحة: 7] بجر غير صفة، ومثله قول لبيد: [الرمل]
وَإذَا جُوزِيتَ قِرْضاً فاجْزِهِ ** إنَّما يُجْزَى الْفَتى غَيْرَ الْجَمَلْ

قال المؤلف: كذا ذكره أبو علي، ويروى ليس الجمل، ومن قرأ بنصب الراء جعله استثناء من القاعدين، قال أبو الحسن: ويقوي ذلك أنها نزلت بعدها على طريق الاستثناء والاستدراك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد يتحصل الاستدراك بتخصيص القاعدين بالصفة، قال الزجّاج: يجوز أيضاً في قراءة الرفع أن يكون على جهة الاستثناء، كأنه قال: {لا يستوي القاعدون والمجاهدون إلا أولو الضرر} فإنهم يساوون المجاهدين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا مردود، لأن {أولي الضرر} لا يساوون المجاهدين، وغايتهم أن خرجوا من التوبيخ والمذمة التي لزمت القاعدين من غير عذر، قال: ويجوز في قراءة نصب الراء أن يكون على الحال، وأما كسر الراء فعلى الصفة للمؤمنين، وروي من غير طريق أن الآية نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون} فجاء ابن أم مكتوم حين سمعها، فقال: يا رسول الله هل من رخصة؟ فإني ضرير البصر فنزلت عند ذلك {غير أولي الضرر} قال الفلتان بن عاصم كنا قعوداً عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل عليه، وكان إذا أوحي إليه دام بصره مفتوحة عيناه وفرغ سمعه وبصره لما يأتيه من الله، وكنا نعرف ذلك في وجهه، فلما فرغ قال للكاتب: اكتب {لا يستوي القاعدونَ من المؤمنين والمجاهدون} إلى آخر الآية. قال: فقام الأعمى، فقال: يا رسول الله ما ذنبنا؟ قال: فأنزل الله على رسوله، فقلنا للأعمى: إنه ينزل عليه، قال: فخاف أن ينزل فيه شيء فبقي قائماً مكانه يقول: أتوب على رسول الله حتى فرغ رسول الله، فقال الكاتب: اكتب {غير أولي الضرر} وأولو الضرر هم أهل الأعذار إذ قد أضرت بهم حتى منعتهم الجهاد. قاله ابن عباس وغيره. وقوله تعالى {بأموالهم وأنفسهم} هي الغاية في كمال الجهاد. ولما كان أهل الديوان متملكين بذلك العطاء يصرفون في الشدائد وتروعهم البعوث والأوامر. قال بعض العلماء: هم أعظم أجراً من المتطوع لسكون جأشه ونعمة باله في الصوائف الكبار وفسر الناس الآية على أن تكملة التفضيل فهيا ب {الدرجة} ثم بالدرجات إنما هو مبالغة وتأكيد وبيان، وقال ابن جريج الفضل بدرجة هو على القاعدين من أهل العذر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: لأنهم مع المؤمنين بنياتهم كما قال النبي عليه السلام في غزوة تبوك «إن بالمدينة رجالاً ما قطعنا وادياً ولا سلكنا جبلاً ولا طريقاً إلا وهم معنا حبسهم العذر» قال ابن جريج. والتفضيل بالأجر العظيم والدرجات هو على القاعدين من غير أهل العذر، و{الحسنى} الجنة، وهي التي وُعدها المؤمنون، وكذلك قال السدي وغيره.
وقال ابن محيريز: الدرجات هي درجات في الجنة، سبعون، ما بين الدرجتين حضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة، وقال بهذا القول الطبري ورجحه، وقال ابن زيد: {الدرجات} في الآية هي السبع المذكورات في سورة براءة، فهي قوله تعالى: {ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله} [التوبة: 120] الآيات فذكر فيها الموطئ الغائظ للكفار، والنيل من العدو، والنفقة الصغيرة والكبيرة، وقطع الأودية والمسافات.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ودرجات الجهاد لو حصرت أكثر من هذه، لكن يجمعها بذل النفس والاعتمال بالبدن والمال في أن تكون كلمة الله هي العليا، ولا شك أن بحسب مراتب الأعمال ودرجاتها تكون مراتب الجنة ودرجاتها، فالأقوال كلها متقاربة، وباقي الآية وعد كريم وتأنيس. ونصب {درجات} إما على البدل من الأجر، وإما على إضمار فعل على أن تكون تأكيداً للأجر، كما تقول: لك عليَّ ألف درهم عرفاً، كأنك قلت أعرفها عرفاً.